فصل: الباب الرابع في الإقرار بالنسب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 الباب الثالث في تعقيب الإقرار بما يغيره

هو استثناء وغيره فالثاني ينقسم إلى ما يرفعه بالكلية وإلى غيره والأول ينقسم إلى ما لا ينتظم لفظاً فيلغو وإلى ما ينتظم فإن كان مفصولاً لم يقبل وإن كان موصولاً ففيه خلاف والثاني إن كان مفصولا لا يقبل أيضاً وإن كان موصولا ففيه خلاف بالترتيب هذا حاصل الباب وإذا مرت بك مسائله عرفت من أي قبيل هي وأما الاستثناء فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى وفيه مسائل‏.‏

إحداها قال لفلان علي ألف من ثمن خمر أو كلب أو خنزير فإن وقع قوله من ثمن خمر مفصولا عن قوله له ألف لم يقبل ولزمه الألف وإن كان موصولا فقولان أحدهما يقبل ولا يلزمه شيء لأن الكل كلام واحد فيعتبر جملة ولا يبعض فعلى هذا للمقر له تحليفه إن كان من ثمن خمر وأظهرهما عند العراقيين وغيرهم لا يقبل ويلزمه الألف ويبعض إقراره فيعتبر أوله ويلغى آخره لأنه وصل به ما يرفعه فأشبه قوله ألف لا يلزمني فعلى هذا لو قال المقر كان من ثمن خمر وظننته يلزمني فله تحليف المقر له على نفيه ويجري القولان فيما إذا وصل بإقراره ما ينتظم لفظه في العادة ولكنه يبطل حكمه شرعاً بأن أضاف المقر به إلى بيع فاسد كالبيع بثمن مجهول وخيار مجهول أو قال تكفلت ببدن فلان بشرط الخيار أو ضمنت لفلان كذا بشرط الخيار وما أشبه ذلك قال الإمام وكنت أود لو فصل فاصل بين أن يكون المقر جاهلا بأن ثمن الخمر لا يلزم وبين أن يكون عالما فيعذر الجاهل دون العالم لكن لم يصر إليه أحد من الأصحاب أما إذا قدم الخمر فقال له من ثمن خمر علي الألف لا يلزمه شيء قطعاً بكل حال‏.‏

الثانية قال علي ألف من ثمن عبد لم أقبضه إذا سلمه سلمت الألف فطريقان أحدهما طرد القولين ففي قول يقبل ولا يطالب بالألف إلا بعد تسليم العبد وفي قول يؤاخذ بأول الإقرار والطريق الثاني وهو الأصح القطع بالقبول لأن المذكور آخراً هنا لا يرفع الأول بخلاف ثمن الخمر وعلى هذا لو قال علي ألف من ثمن عبد فقط ثم قال مفصولا عنه لم أقبض ذلك العبد قبل أيضاً لأنه علق الإقرار بالعبد والأصل عدم قبضه ولو اقتصر على قوله لفلان علي ألف ثم قال مفصولا هو ثمن عبد لم أقبضه لم يقبل ولا فرق عندنا بين أن يقول علي ألف من ثمن هذا العبد أو من ثمن عبد‏.‏

الثالثة قال علي ألف قضيته ففي قبوله القولان وقيل لا يقبل قطعاً ولو قال كان لفلان علي ألف قضيته قبل عند الجمهور وقيل على الطريقين‏.‏

الرابعة قال علي ألف لا يلزمني أو علي ألف أو لا لزمه الألف لأنه غير منتظم‏.‏

قلت هكذا رأيته في نسخ من كتاب الإمام الرافعي علي الألف أو لا وهو غلط وقد صرح به صرح به صاحبا التهذيب والبيان بأنه لا يلزمه في هذه الصورة شيء كما لو قال أنت طالق أو لا فإنه لم يجزم بالالتزام وما يبعد أن يكون الذي في كتاب الرافعي تصحيفاً من النساخ أو تغييراً مما في التهذيب فقد قال في التهذيب لو قال علي ألف لا فهو إقرار وهذا صحيح وقرنه في التهذيب بقوله بألف لا يلزمني وهو نظيره ومعظم نقل الرافعي من التهذيب والنهاية وكيف كان فالصواب الذي يقطع به أنه إذا قال ألف أو لا فلا شيء عليه والله أعلم‏.‏

الخامسة قال له علي ألف إن شاء الله لم يلزمه شيء على المذهب وبه قطع الجمهور وقيل على القولين ولو قال علي ألف إن شئت أو إن شاء فلان فلا شيء عليه على المذهب قال الإمام والوجه طرد القولين ولو قال علي ألف إذا جاء رأس الشهر أو إذا قدم زيد أطلق جماعة أنه لا شيء عليه لأن الشرط لا أثر له في إيجاب المال والواقع لا يعلق بشرط وذكر الإمام وغيره أنه على القولين وكيف كان فالمذهب أنه لا شيء عليه وهذا إذا أطلق أو قال قصدت التعليق فإن قصد التأجيل فسنذكره إن شاء الله تعالى ولو قدم التعليق فقال إن جاء رأس الشهر فعلي ألف لم يلزمه قطعاً لأنه لم توجد صيغة التزام جازمة فإن قال أردت التأجيل برأس الشهر قبل وفي التتمة وجه أن مطلقه محمول على التأجيل برأس الشهر وهو غريب وبه قطع فيما إذا قال علي ألف إذا جاء رأس هذا الشهر‏.‏

السادسة قال علي ألف مؤجل إلى وقت كذا فإن ذكر الأجل مفصولا لم يقبل وإن وصله قبل على المذهب وقيل قولان وإذا لم يقبل فالقول قول المقر له بيمينه في نفي الأجل ثم موضع الخلاف أن يقر مطلقاً أو مسنداً إلى سبب يقبل التعجيل والتأجيل أما إذا أسند إلى ما لا يقبل الأجل فقال أقرضنيه مؤجلا فيلغو ذكر الأجل قطعاً وإن أسند إلى ما يلازمه الأجل كالدية على العاقلة فإن ذكره في صدر إقراره بأن قال قتل أخي زيداً خطأ ولزمني من ديته كذا مؤجلا إلى سنة انتهاؤها كذا قبل قطعاً ولو قال علي كذا من جهة تحمل العقل مؤجلا إلى كذا فقولان وقيل يقبل فرع قال بعتك أمس كذا فلم تقبل فقال بل قبلت فعلى قولي تبعيض الإقرار إن بعضناه صدق بيمينه في قوله قبلت وكذا لو قال لعبده أعتقتك على ألف فلم تقبل أو لامرأته خالعتك على ألف فلم تقبلي فقالا قبلنا‏.‏

فرع إذا قال له أريد أن أقر الآن بما ليس علي لفلان علي ألف أو قال ما طلقت امرأتي وأريد أن أقر بطلاقها قد طلقت امرأتي ثلاثاً قال الشيخ أبو عاصم لا يصح إقراره ولا شيء عليه وقال صاحب التتمة الصحيح أنه يلزمه كقوله علي ألف لا يلزمني‏.‏

السابعة قال لزيد علي ألف وزعم أنه وديعة فله حالان‏.‏

الأول أن يذكره منفصلاً بأن أتى بألف بعد إقراره وقال أردت هذا وهو وديعة عندي وقال المقر له هو وديعة ولي عليك ألف آخر ديناً وهو الذي أردته بإقرارك فهل القول قول المقر له أو المقر فيه قولان أظهرهما الثاني وقيل به قطعاً لأن قوله علي يحتمل أن يريد به عندي ويحتمل إني تعديت فيها فصارت مضمونة علي أو علي حفظها ولو قال علي ألف في ذمتي أو ديناً ثم جاء بألف وفسر كما ذكرنا لم يقبل على المذهب والقول قول المقر له بيمينه لأن العين لا تثبت في الذمة وقيل في قبوله وجهان ثم قال الإمام إذا قبلنا التفسير بالوديعة قال الأصحاب الألف مضمونة وليس بأمانة لأن قوله علي تتضمن الالتزام فإن ادعى تلف الألف الذي يزعم أنه وديعة لم يسقط عنه الضمان وإن ادعى رده لم يقبل لأنه ضامن وإنما يصدق الأمين وهذا الذي قاله الإمام مشكل دليلاً ونقلاً‏.‏

أما الدليل فلأن لفظه علي كما يجوز أن يراد بها مصيرها مضمونة لتعديه فيجوز أن يريد وجوب حفظها ويجوز أن يريد عندي كما سبق وهذان لا ينافيان الأمانة وأما النقل فمقتضى كلام غيره أنه إذا ادعى تلفه بعد الإقرار صدق وقد صرح به صاحب الشامل في موضعين من الباب‏.‏

الحال الثاني أن يذكره متصلا فيقول لفلان علي ألف وديعة فيقبل على المذهب وقال أبو إسحاق على قولين كقوله ألف قضيته وإذا قبلنا فأتى بألف وقال هو هذا قنع به فإن لم يأت بشيء وادعى التلف أو الرد قبل على الأصح وأما إذا قال له معي أو عندي ألف فهو مشعر بالأمانة فيصدق في قوله إنه كان وديعة وفي دعوى التلف والرد ولو قال له عندي ألف درهم مضاربة ديناً أو وديعة ديناً فهو مضمون عليه ولا يقبل قوله في دعوى الرد والتلف نص عليه ووجهوه بأن كونه ديناً عبارة عن كونه مضموناً فإن قال أردت أنه دفعة إلي مضاربة أو وديعة بشرط الضمان لم يقبل قوله لأن شرط الأمانة لا يوجب الضمان هذا إذا فسر منفصلا فإن فسره متصلا ففيه قولا تبعيض الإقرار ولو قال له عندي ألف عارية فهو مضمون عليه صححنا إعارة الدراهم أو أفسدناها لأن الفاسد كالصحيح في الضمان ولو قال دفع إلي ألفاً ثم فسره بوديعة وادعى تلفها في يده صدق بيمينه وكذا لو قال أخذت منه ألفاً وقال القفال في أخذت لو ادعى المأخوذ منه أنه غصبه صدق بيمينه في الغصب والصحيح أنه كقوله دفع إلي‏.‏

الثامنة قال هذه الدار لك عارية فهو إقرار بالإعارة وله الرجوع وقال صاحب التقريب قوله لك إقرار بالملك فذكر العارية بعده ينافيه فيكون على قولي تبعيض الإقرار والمذهب الأول ولو قال هذه الدار لك هبة عارية بإضافة الهبة إلى العارية أو هبة سكنى فهو كما لو قال لك عارية بلا فرق‏.‏

التاسعة الإقرار بالهبة لا يتضمن الإقرار بقبضها على المذهب وبه قطع الجمهور وفي الشامل فيه خلاف إذا كانت العين في يد الموهوب له وقال أقبضتني ولو قال وهبته وخرجت إليه منه فقد سبق أن الأصح أنه ليس بإقرار بالقبض وكذا لو قال وهبت له وملكها قاله البغوي ولو أقر بالقبض ثم ذكر لإقراره تأويلاً أو لم يذكر فهو كما ذكرنا في الرهن إذا قال رهنت وأقبضت ثم العاشرة لو أقر ببيع أو هبة وقبض ثم قال كان ذلك فاسداً أو أقررت لظني الصحة لم يصدق لكن له تحليف المقر له فإن نكل حلف المقر وحكم ببطلان البيع والهبة ولو أقر بإتلاف مال على إنسان وأشهد عليه ثم قال كنت عازما على الإتلاف فقدمت الأشهاد على الإتلاف لم يلتفت إليه بخلاف ما لو أشهد عليه بدين ثم قال كنت عازما على أن استقرض منه فقدمت الشهادة على الاستقراض قبل للتحليف لأن هذا معتاد بخلاف ذاك‏.‏

الحادية عشرة أقر عجمي بالعربية وقال لم أفهم معناه لكن لقنت صدق بيمينه إن كان ممن يجوز أن لا يعرفه وكذا الحكم في جميع العقود والحلول ولو ادعى أنه أقر وهو صبي أو مجنون أو مكره فقد سبق بيانه مع ما يتعلق به في آخر الباب الأول‏.‏

الثانية عشرة قال غصبت هذه الدار من زيد بل من عمرو أو قال غصبتها من زيد وغصبها زيد من عمرو أو قال هذه الدار لزيد بل لعمرو سلمت الدار إلى زيد وفي غرمه لعمرو قولان أظهرهما عند الأكثرين يغرم وفي الصورة الثالثة طريقة جازمة بأن لا غرم لأنه لم يقر بجناية في ملك الغير بخلاف الأوليين ثم قيل القولان فيما إذا انتزعها الحاكم من يده وسلمها إلى زيد فأما إذا سلمها بنفسه فيغرم قطعاً وقيل القولان في الحالين‏.‏

قلت الأصح طردهما في الحالين قاله أصحابنا ويجري الخلاف سواء وإلى بين الإقرار لهما أم فرع باع عيناً وأقبضها واستوفى الثمن ثم قال كنت بعتها لفلان أو غصبتها منه لم يقبل قوله على المشتري وفي غرمه للمقر إليه طريقان أحدهما طرد القولين وأصحهما القطع بالغرم لأنه فوت بتصرفه وتسليمه ويبنى على هذا الخلاف أن مدعي العين المبيعة هل له دعوى القيمة على البائع مع بقاء العين في يد المشتري إن قلنا لو أقر غرم القيمة فله دعواها وإلا فلا ولو كان في يد إنسان عين فانتزعها مدع بيمينه بعد نكول صاحب اليد ثم جاء آخر يدعيها هل له طلب القيمة من الأول إن قلنا النكول ورد اليمين كالبينة فلا كما لو انتزع بالبينة وإن قلنا كالإقرار ففي سماع دعوى الثاني عليه بالقيمة الخلاف‏.‏

فرع قال غصبت هذه الدار من زيد وملكها لعمرو سلمت إلى زيد لأنه اعترف له باليد والظاهر أنه محق فيها ثم تكون الخصومة في الدار بين زيد وعمرو ولا تقبل شهادة المقر لعمرو لأنه غاصب وفي غرامة المقر لعمرو طريقان أحدهما طرد القولين وأصحهما القطع بأن لا غرم لأنه لا منافاة هنا بين الإقرارين لجواز أن يكون الملك لعمرو ويكون في يد زيد بإجارة أو رهن أو وصية بالمنافع فيكون الآخذ غاصباً منه وفي المسألة الأولى الإقراران متنافيان ولو أخر ذكر الغصب فقال هذه الدار ملكها عمرو وغصبتها من زيد فوجهان أصحهما كالصورة الأولى لعدم التنافي فتسلم إلى زيد ولا يغرم لعمرو والثاني لا يقبل إقراره باليد بعد الملك فتسلم إلى عمرو وفي غرمه لزيد القولان هكذا أطلقوه وفيه مباحثة لأنا إذا غرمنا المقر في الصورة السابقة للثاني فإنما نغرمه القيمة لأنه أقر له بالملك وهنا جعلناه مقراً باليد دون الملك فلا وجه لتغريمه بل القياس أن يسأل عن يده أكانت بإجارة أو رهن أو غيرهما فإن كانت بإجارة غرم قيمة المنفعة وإن كانت رهنا غرم قيمة المرهون ليتوثق به زيد وكأنه أتلف المرهون ثم إن استوفى الدين من موضع آخر ردت القيمة عليه‏.‏

فرع قال غصبت هذه العين من أحدكما طولب بالتعيين فإذا عين أحدهما سلمت إليه وهل للثاني تحليفه يبنى على أنه لو أقر للثاني هل يغرم له إن قلنا لا فلا وإلا فنعم لأنه ربما يقر له إذا عرضت اليمين فيغرمه فعلى هذا إذا نكل ردت اليمين على الثاني فإذا حلف فليس له إلا القيمة وقيل إن قلنا النكول ورد اليمين كالإقرار فالجواب كذلك وإن قلنا كالبينة نزعت الدار من الأول وسلمت إلى الثاني ولا غرم عليه للأول وعلى هذا فله التحليف وإن قلنا لا يغرم القيمة لو أقر للثاني طمعا في أن ينكل فيحلف المدعي ويأخذ العين أما إذا قال المقر لا أدري من أيكما غصبت وأصر عليه فإن صدقاه فالعين موقوفة بينهما حتى تبين المالك أو يصطلحا وكذا إن كذباه وحلف لهما على نفي العلم هذا هو المذهب‏.‏

قلت ولو أقر أن الدار التي في تركة مورثه لزيد بل لعمرو سلمت إلى زيد وفي غرمه لعمرو طريقان في الشامل والبيان وغيرهما أحدهما القولان والثاني القطع بأن لا غرم والفرق أنه هنا معذور لعدم كمال إطلاعه والله أعلم‏.‏

 فصل في الاستثناء

وهو جائز في الإقرار والطلاق وغيرهما بشرط أن يكون متصلاً وأن لا يكون مستغرقاً فإن سكت بعد الإقرار أو تكلم بكلام أجنبي عما هو فيه ثم استثنى لم ينفعه‏.‏

قلت هكذا قال أصحابنا إن تخلل الكلام الأجنبي يبطل الاستثناء وقال صاحبا العدة والبيان إذا قال علي ألف أستغفر الله الأمانة صح الاستثناء عندنا خلافاً لأبي حنيفة رضي الله عنه ودليلنا أنه فصل يسير فصار كقوله علي ألف يا فلان الأمانة وهذا الذي نقلاه فيه نظر والله ولو استغرق فقال علي عشرة إلا عشرة لم يصح وعليه عشرة ويجوز استثناء الأكثر فإذا قال علي عشرة إلا تسعة أو سوى تسعة لزمه درهم‏.‏

فرع الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات فلو قال علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية لزمه تسعة ولو قال علي عشرة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة إلا درهمين إلا درهم لزمه خمسة وطريق هذا وما أشبهه أن يجمع الإثبات ويجمع النفي ويسقط النفي من الإثبات فما بقي فهو الواجب فالأعداد المثبتة هنا ثلاثون والمنفية خمسة وعشرون ثم معرفة المثبت أن العدد المذكور أولا إن كان شفعاً فالإشباع مثبتة والأوتار منفية وإن كان وتراً فبالعكس وشرطه أن تكون الأعداد المذكورة على التوالي المعتاد إذ يتلو كل شفع وتراً وبالعكس‏.‏

فرع قال ليس لفلان علي شيء إلا خمسة لزمه خمسة ولو قال ليس علي عشرة إلا خمسة لم يلزمه شيء على الصحيح الذي قاله الأكثرون لأن العشرة إلا خمسة خمسة فكأنه قال ليس علي خمسة وفي وجه يلزمه خمسة حكاه في النهاية بناء على أن الاستثناء من النفي إثبات‏.‏

فرع إتيان استثناء بعد استثناء إذا أتى باستثناء بعد استثناء والثاني مستغرق صح الأول وبطل الثاني‏.‏

مثاله علي عشرة إلا خمسة إلا عشرة أو عشرة إلا خمسة إلا خمسة لزمه خمسة وإن كان الأول مستغرقاً دون الثاني كقوله عشرة إلا عشرة إلا أربعة فأوجه أحدها يلزمه عشرة ويبطل الاستثناء الأول لاستغراقه ويبطل الثاني لأنه من باطل والثاني يلزمه أربعة ويصح الاستثناءان لأن الكلام إنما يتم بآخره قال في الشامل وهذا أقيس والثالث يلزمه ستة لأن الاستثناء الأول باطل والثاني يرجع إلى الكلام ولو قال عشرة إلا عشرة إلا خمسة لزمه على الوجه الأول عشرة وعلى الآخرين خمسة هذا إذا لم يكن في الاستثناءين عطف فإن كان بأن قال عشرة إلا خمسة وإلا ثلاثة أو عشرة إلا خمسة وثلاثة فهما جميعاً مستثنيان من العشرة فلا يلزمه إلا درهمان قطعاً فإن كان العددان لو جمعا استغرقا بأن قال عشرة إلا سبعة وثلاثة فهل يلزمه عشرة لكون الواو تجمعهما فيقتضي الاستغراق أم يختص الثاني بالبطلان فيلزمه ثلاثة لأن الأول صح استثناؤه وجهان أصحهما الثاني وفي وجه ثالث يفرق بين قوله عشرة إلا سبعة وثلاثة وبين قوله عشرة إلا سبعة وإلا ثلاثة ويقطع في الصورة الثانية بالبطلان ومهما كان في المستثنى أو المستثنى منه عددان معطوف أحدهما على الآخر ففي الجمع بينهما وجهان كما في الصورة السابقة أصحهما وهو المنصوص في الطلاق وبه قطع الأكثرون لا يجمع‏.‏

مثاله علي درهمان ودرهم إلا درهماً إن لم نجمع لزمه ثلاثة وإلا درهمان ولو قال ثلاثة إلا درهمين ودرهماً فإن لم نجمع لزمه درهم وصح استثناء الدرهمين وإن جمعنا فثلاثة ويصير مستغرقاً ولو قال ثلاثة إلا درهماً ودرهمين فإن لم نجمع لزمه درهمان وصح استثناء الدرهمين وإن جمعنا فثلاثة ولو قال درهم ودرهم ودرهم إلا درهماً ودرهماً ودرهماً لزمه ثلاثة على الوجهين وحكم هذه الصورة في الطلاق حكمها في الإقرار‏.‏

فرع قال علي عشرة إلا خمسة أو ستة قال المتولي يلزمه أربعة لأن الدرهم الزائد مشكوك فيه فصار كقوله علي خمسة أو ستة فإنه يلزمه خمسة ويمكن أن يقال يلزمه خمسة لأنه أثبت عشرة واستثنى خمسة وشككنا في استثناء الدرهم السادس‏.‏

قلت الصواب قول المتولي لأن المختار أن الاستثناء بيان ما لم يرد بأول الكلام لأنه إبطال ما أثبت والله أعلم‏.‏

فرع قال علي درهم غير دانق فمقتضى النحو وبه قال أصحابنا أنه إن نصب غير فعليه خمسة دوانق لأنه استثناء وإلا فعليه درهم تام إذ المعنى درهم لا دانق وقال الأكثرون السابق إلى فهم فرع الاستثناء من غير الجنس صحيح كقوله ألف درهم إلا ثوباً أو عبداً ثم عليه أن يبين ثوبا لا يستغرق قيمته الألف فإن استغرق فالتفسير لغو وفي الاستثناء وجهان أصحهما يبطل ويلزمه الألف لأنه بين ما أراد بالاستثناء فكأنه يلفظ به وهو مستغرق والثاني لا يبطل لأنه صحيح من حيث اللفظ وإنما الخلل في تفسيره فيقال فسره بتفسير صحيح‏.‏

فرع يصح استثناء المجمل من المجمل والمجمل من المفصل وبالعكس فالأول كقوله ألف إلا شيئاً فيبين آلاف جنس أولا ثم يفسر الشيء بما لا يستغرق الألف الذي بينه والثاني كقوله عشرة دراهم إلا شيئاً يفسر الشيء بما لا يستغرق العشرة والثالث كقوله شيء إلا درهماً يفسر الشيء بما يزيد على درهم وإن قل وكذا لو قال ألف إلا درهماً ولا يلزمه أن يكون الألف دراهم ومهما بطل التفسير في هذه الصور ففي بطلان الاستثناء الوجهان وإن اتفق لفظ المستثنى والمستثنى منه كقوله شيء إلا شيئاً أو قال مال إلا مالا حكى الإمام عن القاضي فيه وجهين أحدهما يبطل الاستثناء كقوله عشرة إلا عشرة والثاني لا لوقوعه على القليل والكثير فلا يمتنع حمل الثاني على أقل متمول ويحمل الأول على الزائد على أقل متمول قال الإمام وفي هذا التردد غفلة لأنا إن ألغينا الاستثناء اكتفينا بأقل متمول وإن صححناه ألزمناه أيضاً أقل متمول فيتفق الوجهان ويمكن أن يقال حاصل الجواب لا يختلف لكن فيه فائدة لأنا إن أبطلنا طالبناه بتفسير الأول فقط وإن صححنا طالبناه بتفسيرهما وله آثار الامتناع من التفسير وكون التفسير الثاني غير صالح للاستثناء من الأول وما أشبه ذلك‏.‏

فرع الاستثناء من المعين صحيح كقوله هذه الدار لزيد إلا هذا البيت أو هذا القميص إلا كمه أو هذه الدراهم إلا هذه الدراهم أو هذا القطيع إلا هذه الشاة أو هذا الخاتم إلا هذا الفص ونظائره وفي وجه شاذ لا يصح لأن الاستثناء المعتاد إنما يكون من المطلق لا من المعين والأول هو الصحيح المنصوص وعليه التفريع ولو قال هؤلاء العبيد لفلان إلا واحدا صح ورجع إليه في التعيين فإن ماتوا إلا واحداً فقال هو الذي أردت بالاستثناء قبل قوله بيمينه على الصحيح لأنه محتمل وقيل لا يقبل للتهمة وهو شاذ متفق على ضعفه ولو قال غصبتهم إلا واحداً فماتوا إلا واحداً فقال هو المستثنى قبل بلا خلاف وكذا لو قتلوا في الصورة الأولى إلا واحداً لأن حقه ثبت في القيمة ولو قال هذه الدار لفلان وهذا البيت منها لي وهذا الخاتم له وفصه لي قبل لأنه إخراج بعض ما يتناوله اللفظ فكان كالاستثناء‏.‏

وإن كان بعضها أجنبياً إحداها في يده جارية فقال رجل بعتكها بكذا وسلمتها فأد الثمن فقال بل زوجتنيها بصداق كذا وهو علي فله حالان‏.‏

أحدهما أن يجري التنازع قبل أن يولدها صاحب اليد فيحلف كل واحد منهما على نفي ما يدعى عليه فإن حلفا سقطت دعوى الثمن والنكاح ولا مهر سواء دخل بها صاحب اليد أم لا لأنه وإن أقر بالمهر لمن كان مالكا فهو منكر له وتعود الجارية إلى المالك ثم أحد الوجهين أنها تعود إليه كعود المبيع إلى البائع لإفلاس المشتري بالثمن والثاني تعود بجهة أنها لصاحب اليد بزعمه وهو يستحق عليه الثمن وقد ظفر بغير جنس حقه فعلى هذا يبيعها ويستوفي حقه من ثمنها فإن فضل شيء فهو لصاحب اليد ولا يحل له وطؤها وعلى الأول يحل وطؤها والتصرف ولا بد من التلفظ بالفسخ وإن حلف أحدهما فقط نظر إن حلف مدعي الثمن على نفي التزويج ونكل صاحب اليد عن اليمين على نفي الشراء حلف المدعي اليمين المردودة على الشراء ووجب الثمن وإن حلف صاحب اليد على نفي الشراء ونكل الآخر عن اليمين على نفي التزويج حلف صاحب اليد اليمين المردودة على النكاح وحكم له بالنكاح وبأن رقبتها للآخر ثم لو ارتفع النكاح بطلاق أو غيره حلت للسيد في الظاهر وكذا في الباطن إن كان كاذباً وعن القاضي حسين أنه إذا نكل أحدهما عن اليمين المعروضة عليه اكتفى من الثاني بيمين واحدة يجمع فيها بين النفي والإثبات والصحيح الأول‏.‏

الحال الثاني أن يولدها صاحب اليد فالولد حر والجارية أم ولد له باعتراف المالك القديم وهو يدعي الثمن فيحلف صاحب اليد على نفيه فإن حلف على نفي الشراء سقط عنه الثمن المدعى وهل يرجع المالك عليه بشيء وجهان أحدهما يرجع بأقل الأمرين من الثمن والمهر لأنه يدعي الثمن وصاحب اليد مقر له بالمهر فالأقل منهما متفق عليه والثاني لا يرجع بشيء لأن صاحب اليد أسقط الثمن عن نفسه بيمينه والمهر الذي يقر به لا يدعيه الآخر فلا يمكن من المطالبة وهل لصاحب اليد تحليف المالك على نفي الزوجية بعدما حلف على نفي الشراء وجهان أحدهما لا لأنه لو ادعى ملكها وتزويجها بعد اعترافه بأنها أم ولد للآخر لم يقبل فكيف يحلف على ما لو أقر به لم يقبل والثاني نعم طمعاً في أن ينكل فيحلف ويثبت له النكاح ولو نكل صاحب اليد عن اليمين على نفي الشراء حلف المالك القديم اليمين المردودة وعلى كل حال فالجارية مقررة في يد صاحب اليد فإنها أم ولده أو زوجته وله وطؤها في الباطن وفي الحل ظاهراً وجهان أصحهما تحل ووجه المنع أنه لا يدري أيطأ زوجته أم مملوكته وإذا اختلفت الجهة وجب الاحتياط للبضع ونفقتها على صاحب اليد إن جوزنا له الوطء وإلا فقولان أحدهما على المالك القديم لأنها كانت عليه وأظهرهما أنها في كسب الجارية فإن لم يكن كسب ففي بيت المال ولو ماتت الجارية قبل موت المستولد ماتت قنة وللمالك القديم أخذ القيمة مما تركته من إكسابها وما فضل فموقوف لا يدعيه أحد وإن ماتت بعد موت المستولد ماتت حرة ومالها لوارثها بالنسب فإن لم يكن فهو موقوف لأن الولاء لا يدعيه واحد منهما وليس للمالك القديم أخذ الثمن من تركتها لأن الثمن بزعمه على المستولد وهي قد عتقت بموته فلا يؤدي دينه مما جمعته بعد الحرية هذا كله فيما إذا أصر على كلامهما أما إذا رجع المالك القديم وصدق صاحب اليد فلا يقبل في رد حرية الولد وثبوت الاستيلاد وتكون إكسابها له ما دام المستولد حياً فإذا مات عتقت وكانت إكسابها لها ولو رجع المستولد وصدق المالك القديم لزمه الثمن وكان ولاؤها له‏.‏

المسألة الثانية إقرار الورثة على الميت بالدين والعين مقبول فلو أقر بعضهم بدين وأنكر بعضهم فقولان القديم أن على المقر قضاء جميع الدين من حصته من التركة إن وفى به وإلا فيصرف جميع حصته إليه لأنه إنما يستحق بعد قضاء الدين والجديد أنه لا يلزمه إلا بقسط حصته من التركة فعلى الجديد لو مات المنكر وورثه المقر فهل يلزمه الآن جميع الدين المقر به وجهان أصحهما نعم لحصول جميع التركة في يده ويتفرع على القولين فرعان أحدهما لو شهد بعض الورثة بدين على المورث إن قلنا لا يلزمه بالإقرار إلا حصته قبلت شهادته وإلا فلا لأنه متهم وسواء كانت الشهادة بعد الإقرار أو قبله الثاني كيس في يد رجلين فيه ألف قال أحدهما لثالث لك نصف ما في هذا الكيس فهل يحمل إقراره على النصف المضاف إليه أم على نصف ما في يده وهو الربع وجهان بناء على القولين‏.‏

قلت أفقههما الأول والله أعلم‏.‏

المسألة الثالثة مات عن ابنين فأقر أحدهما بأن أباه أوصى لزيد بعشرة فهو كما لو أقر عليه بدين فعلى القديم تتعلق كل العشرة بثلث نصيبه وعلى الجديد يتعلق نصف العشرة بثلث نصيبه ولو أقر أحدهما أنه أوصى بربع ماله وأنكر الآخر فعلى المقر أن يدفع إلى الموصى له ربع ما في يده ولو أقر أنه أوصى بعين من أعيان أمواله نظر إن لم يقسما التركة فنصيب المقر من تلك العين يصرف إلى الموصى له والباقي للمنكر وإن اقتسماهما نظر إن كانت تلك العين في يد المقر لزمه دفعها إلى الموصى له وإن كانت في يد المنكر فللموصى له أخذ نصف القيمة من المقر لأنه فوته عليه بالقسمة ولو شهد المقر للموصى له قبلت شهادته ويغرم للمشهود عليه نصف قيمة العين الرابعة قال لعبده أعتقتك على ألف فطالبه بالألف فأنكر العبد وحلف سقطت دعوى المال وحكم بعتق العبد لإقراره وكذا لو قال بعتك نفسك إذا صححنا هذا التصرف وهو الصحيح ولو قال لولد عبده بعتك والدك بكذا فأنكر فكذلك لاعترافه بمصيره حراً بالملك‏.‏

الخامسة قال لفلان عندي خاتم ثم جاء بخاتم فقال هو هذا الذي أقررت به فنص في موضع أنه يقبل منه ذلك وعليه تسليمه إلى المقر له وقال في موضع آخر لا يلزم التسليم قال الأصحاب الأول محمول على ما إذا صدقه المقر له والثاني على ما إذا قال الذي أقررت به غيره وليس هذا لي فلا يسلم ما جاء به إليه والقول قول المقر في نفي غيره‏.‏

السادسة قال لي عليك ألف ضمنته فقال ما ضمنت شيئاً ولكن لك علي ألف من قيمة متلف لزم الألف الأصح‏.‏

قلت ومما يتعلق بالباب ما ذكره القاضي أبو الطيب في آخر كتاب الغصب ولو أقر بدار مبهمة ولم يعينها حتى مات قام وارثه مقامه في التعيين فإن عينها فذاك وإن لم يعين طولب بالتعيين فإن امتنع كان للمقر له أن يعين فإن عين وصدقه الوارث فذاك وإلا فله أن يحلف أنها ليست المقر بها فإن حلف طولب بالتعيين فإن امتنع حبس حتى يعين قال القاضي أيضاً في آخر الغصب لو باع داراً ثم ادعى أنها كانت لغيره باعها بغير إذنه وهي ملكه إلى الآن وكذبه المشتري وأراد أن يقيم بينة بذلك فإن قال بعتك ملكي أو داري أو نحو ذلك مما يقتضي أنها ملكه لم تسمع دعواه وإلا سمعت قال الشاشي لو قال غصبت داره ثم قال أردت دارة الشمس والقمر لم يقبل على الصحيح ولو باع شيئاً بشرط الخيار ثم ادعاه رجل فأقر البائع في مدة الخيار أنه ملك المدعي صح إقراره وانفسخ البيع لأن له الفسخ بخلاف ما لو أقر بعد لزوم البيع فإنه لا يقبل لعجزه عن الفسخ ولو أقر بثياب بدنه لزيد قال القاضي حسين في الفتاوى يدخل فيه الطيلسان والدواج وكل ما يلبسه ولا يدخل فيه الخف والمراد بالدواج اللحاف ومقتضى كلام القاضي هذا أنه يدخل فيه الفروة فإنها مما يلبسه ولا شك في دخولها وإنما نبهت عليه لئلا يتشكك فيها وكذلك الحكم لو أوصى بثياب بدنه ولو كتب على قرطاس لفلان علي كذا لم يكن إقراراً وكذا الأشهاد عليه لا يكون إلا بالتلفظ قاله القاضي حسين والله أعلم‏.‏

 الباب الرابع في الإقرار بالنسب

يشترط في المقر بالنسب أن يكون بالصفات المعتبرة في سائر المقرين كما سبق ثم لا يخلو إما أن يلحق النسب بنفسه وإما بغيره‏.‏

القسم الأول أن يلحقه بنفسه فيشترط فيه أمور‏.‏

الأول أن لا يكذبه الحس فيكون ما يدعيه ممكناً فلو كان في سن لا يمكن أن يكون ولداً للمستلحق فلا اعتبار بإقراره فلو قدمت امرأة من بلاد الكفر ومعها صبي وادعاه مسلم لحقه إن احتمل أنه خرج إليها أو أنها قدمت إليه قبل ذلك وإلا لم يلحقه‏.‏

الثاني أن لا يكون المقر به مشهور النسب من غيره سواء صدقه المقر به أم كذبه‏.‏

الثالث أن يصدقه المقر به إن كان معتبر التصديق فإن استلحق بالغاً فلم يصدقه لم يثبت النسب إلا ببينة فإن لم تكن بينة حلف المدعي فإن حلف سقطت دعواه وإن نكل حلف المدعي وثبت نسبه وكذا لو قال رجل لرجل أنت أبي فالقول قول المنكر بيمينه أما إذا استلحق صغيراً فيثبت نسبه حتى يرث منه الصغير لو مات ويرث هو الصغير إن مات وإن استلحق صغيراً فلما بلغ كذبه فوجهان أحدهما يندفع النسب وأصحهما لا يندفع لأن النسب يحتاط له فلا يندفع بعد ثبوته كالثابت بالبينة فعلى هذا لو أراد المقر له تحليفه قال ابن الصباغ ينبغي أن لا يمكن لأنه لو رجع لم يقبل فلا معنى لتحليفه ولو استلحق مجنوناً فأفاق وأنكر فعلى الوجهين ولو استلحق صبياً بعد موته لحقه سواء كان له مال أم لا ولا ينظر إلى التهمة بطلب المال بل يرثه لأن أمر النسب مبني على التغليب ولهذا يثبت بمجرد الإمكان حتى لو قتله ثم استلحقه بعد موته قبل منه وحكم بسقوط القصاص وإن كان الميت بالغاً فوجهان لأن شرط لحوق البالغ تصديقه ومنعوا كون التصديق شرطاً على الإطلاق بل هو شرط إذا كان المقر به أهلا للتصديق ولا اعتبار بالتهمة كما سبق ويجري الوجهان فيما إذا استلحق مجنوناً طرأ جنونه بعد ما بلغ عاقلاً‏.‏

فرع إذا ازدحم جماعة على الاستلحاق نظر إن كان المقر به بالغاً ثبت نسبه ممن صدقه فإن كان صبياً لم يلحق بواحد منهما بل حكمه ما نذكره في باب اللقيط إن شاء الله تعالى فإذا عدم زحمة الغير شرط رابع في الصغير هذا كله إذا كان المقر به ذكراً حراً فأما استلحاق المرأة والعبد فسيأتيان في باب اللقيط إن شاء الله تعالى‏.‏

فرع إذا استلحق عبد الغير أو معتقه لم يلحق إن كان صغيراً محافظة على حق الولاء للسيد بل يحتاج إلى البينة وإن كان بالغاً وصدقه فوجهان ولو استلحق عبداً في يده فإن لم يوجد الإمكان بأن كان أكبر سناً منه لغا قوله وإن وجد فإن كان مجهول النسب لحقه إن كان صغيراً وحكم بعتقه وكذا إن كان بالغا وصدقه وإن كذبه لم يثبت النسب وفي العتق وجهان وكذا إن كان المقر به معروف النسب من غيره‏.‏

فوافقه ثم رجعا قال ابن أبي هريرة يسقط النسب كما لو أقر بمال ورجع وصدقه المقر له وقال الشيخ أبو حامد لا يسقط لأن النسب المحكوم بثبوته لا يرتفع بالاتفاق كالثابت بالفراش‏.‏

 فصل له جارية ذات ولد

فقال هذا ولدي من هذه الجارية ثبت نسبه عند الإمكان وفي كون الجارية أم ولد قولان ويقال وجهان أظهرهما عند الشيخ أبي حامد وجماعة نعم وأشبههما بالقاعدة وأقربهما إلى القياس لا لاحتمال أنه أولدها بنكاح ثم ملكها ولو قال ولدي استولدتها به في ملكي أو علقت به في ملكي انقطع الاحتمال وكانت أم ولد قطعاً وكذا لو قال هذا ولدي منها وهي في ملكي من عشر سنين وكان الولد ابن سنة وهذا كله إذا لم تكن الأمة مزوجة ولا فراشاً له أما إذا كانت مزوجة فلا ينسب الولد إلى السيد ولا أثر لاستلحاقه للحوقه بالزوج وإن كانت فراشاً له فإن أقر بوطئها لحقه الولد بالفراش لا بالإقرار فلا يعتبر فيه إلا الإمكان ولا فرق في الاستلحاق بالاستيلاد بين أن يكون في الصحة أو في المرض لأن إنشاءه نافذ في الحالين‏.‏

فرع له أمتان لكل واحدة ولد فقال أحدهما ولدي فللأمتين أحوال‏.‏

أحدها أن لا تكون واحدة منهما مزوجة ولا فراشاً للسيد فيؤمر بالتعيين كما لو أقر بطلاق إحدى المرأتين فإذا عين أحدهما ثبت نسبه وكان حراً وورثه وهل تصير أمه أم ولد ينظر إن لم يزد على استلحاقه فقولان كما قدمناه وإن صرح بأنه استولدها به في ملك اليمين صارت أم ولد له وإن صرح بأنه استولدها في النكاح لم تصر وإن أضافه إلى وطء شبهة فقولان وإن قال استولدتها بالزنا مفصولا على الاستلحاق لم يقبل وكانت أمية الولد على القولين فيما إذا أطلق الاستلحاق وإن وصله باللفظ قال البغوي لا يثبت النسب ولا أمية الولد وينبغي أن يخرج على قولي تبعيض الإقرار ولو ادعت الأمة الأخرى أن ولدها هو الذي استلحقه وأنها المستولدة فالقول قول السيد مع يمينه وكذا لو بلغ الولد وادعى فإن نكل السيد حلف المدعي وقضي بمقتضى يمينه ولو مات السيد قبل التعيين قام وارثه مقامه في التعيين وحكم تعيينهم حكم تعيينه في النسب والحرية والإرث وتكون أم المعين مستولدة إن ذكر السيد ما يقتضي ثبوت الاستيلاد وإلا سئلوا وحكم بيانهم حكم بيان المورث فإن قالوا لا نعلم كيف استولد فعلى الخلاف فيما إذا أطلق الاستلحاق وإذا لم يكن وارث فهو كما لو أطلق الاستلحاق ويجوز ظهور الحال للقائف مع موت المستلحق بأن كان رآه أو يرى قبل الدفن أو يرى عصبته فيجد الشبه فإن عجز عن الاستفادة بالقائف لعدمه أو لإلحاقه الولدين به أو نفيهما أو أشكل الأمر عليه أقرعنا بينهما ليعرف الحر منهما ولا ينتظر بلوغهما لينتسبا بخلاف ما لو تنازع اثنان في ولد ولا قائف لأن الاشتباه هنا في أن الولد أيهما فلو اعتبرنا الانتساب ربما انتسبا جميعاً إليه فدام الإشكال ولا يحكم لمن خرجت قرعته بالنسب والميراث لأن القرعة لا تعمل فيهما وهل يوقف نصيب ابن بين من خرجت قرعته وبين الآخر وجهان يأتي قريبا بيانهما وأما الاستيلاد فهو على التفصيل السابق فإن لم يوجد من السيد ما يقتضيه لم يثبت وإن وجد فهل تحصل أمية الولد في أم ذلك الولد بخروج القرعة وجهان أصحهما عند الإمام لا تحصل والثاني تحصل وبه قطع الأكثرون‏.‏

فرع حيث ثبت الاستيلاد فالولد حر الأصل لا ولاء عليه وحيث لا يثبت فعليه الولاء إلا إذا وطء نسبه إلى شبهة وقلنا لا تصير أم ولو إذا ملكها وإذا لم يثبت الاستيلاد ومات السيد ورث الولد أمه وعتقت عليه هذا إذا تعين لا بالقرعة وإن كان معه وارث آخر عتق نصيبه ولم يشتر

الحال الثاني إذا كانت الأمتان مزوجتين لم يقبل قول السيد وولد كل أمة ملحق بزوجها وإن كانتا فراشاً للسيد بأن كان أقر بوطئها لحقه الولدان بالفراش‏.‏

الحال الثالث كانت إحداهما مزوجة لم يتعين إقراره في الأخرى بل يطالب بالتعيين فإن عين في ولد الأخرى قبل وثبت نسبه وإن كانت إحداهما فراشاً له لم يتعين إقراره في ولدها بل يؤمر بالتعيين فإن عين في ولد الأخرى لحقه بالإقرار والولد الآخر يلحق به بالفراش‏.‏

فرع له أمة لها ثلاثة أولاد قال أحد هؤلاء ولدي ولم تكن مزوجة ولا فراشاً للسيد قبل ولادتهم طولب بالتعيين فمن عينه منهم فهو نسيب حر وارث والقول في الاستيلاد على التفصيل الذي مر ثم إن كان المعين الأوسط فالأكبر رقيق وأمر الأصغر مبني على استيلاد الأمة فإن لم نجعلها مستولدة فهو رقيق وإن جعلناها نظر إن لم يدع الاستبراء بعد الأوسط فقد صارت فراشا له بالأوسط فيلحقه الأصغر ويرثه على الصحيح وقيل لا يلحقه بل له حكم الأم يعتق بموت السيد وإن ادعى الاستبراء بني على أن نسب ملك اليمين هل ينتفي به إن قلنا ينتفي لم يلحقه الأصغر وفي حكمه وجهان أصحهما أنه كالأم يعتق بموت السيد لأنه ولد أم ولد والثاني يكون قناً لأن ولد أم الولد قد تكون كذلك كما لو أحبل الراهن المرهونة وقلنا لا تصير أم ولد فبيعت في الحق وولدت أولادا ثم ملكها وأولادها فإنها تحكم بأنها أم ولد له على الصحيح الأولاد أرقاء لا يأخذون حكمها على الصحيح وقيل يأخذون ولو مات السيد قبل التعيين عين وارثه فإن لم يكن وارث أو قال لا أعرف عرضوا على القافة ليعين والحكم على التقديرين كما لو عين السيد فإن تعذرت معرفة القائف فالنص أنه يقرع بينهم ليعرف الحرية وثبوت الاستيلاد على التفصيل السابق واعترض المزني بأن الأصغر حر بكل حال عند موت السيد لأنه المقر به أو ولد أم ولد وولد أم الولد يعتق بموت السيد إذا كان حراً بكل حال لم يدخل في القرعة لأنها ربما خرجت على غيره فيلزم ارقاقه واختلف الأصحاب في الجواب فسلم بعضهم حريته وقالوا دخوله في القرعة إنما هو لرق غيره ويعتق هو إن خرجت قرعته ومنعها آخرون بناء على أن ولد أم الولد يجوز أن يكون رقيقاً والأول أصح وحكي وجه أن الصغير يخرج عن القرعة وهو شاذ ضعيف فإذا أقرعنا فخرجت القرعة لواحد فهو حر والمذهب أن النسب والميراث لا يثبتان كما ذكرنا في المسألة الأولى وقال المزني الأصغر نسيب بكل حال وأبطل الأصحاب قوله لكن الحق المطابق لما سبق أن يفرق بين ما إذا كان السيد قد ادعى الاستبراء قبل ولادة الأصغر وبين ما إذا لم يدع ويوافق المزني في الحالة الثانية وإذا ثبت النسب ثبتت الحرية قطعاً وحيث لا يثبت النسب فهل يوقف الميراث وجهان أصحهما عند الجمهور لا لأنه إشكال وقع اليأس من زواله فأشبه غرق المتوارثين والثاني بلى كما لو طلق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان‏.‏

القسم الثاني أن يلحق النسب بغيره كقوله هذا أخي ابن أبي وابن أمي أو يقر بعمومة غيره فيكون ملحقاً للنسب بالجد ويثبت النسب بهذا الإلحاق بالشروط المتقدمة فيما إذا ألحق بنفسه وبشروط أخر‏.‏

إحداها أن يكون الملحق به ميتاً فما دام حياً ليس لغيره الإلحاق به وإن كان مجنوناً‏.‏

الثانية أن لا يكون الملحق به قد نفى المقر به فإن كان نفاه ثم استلحقه وارثه بعد موته فوجهان أصحهما وبه قطع معظم العراقيين يلحقه كما لو استلحقه المورث بعدما نفاه بلعان وغيره والثاني المنع والثالث صدور الإقرار من الورثة الحائزين للتركة‏.‏

فرع إقرار الأجنبي لا يثبت به النسب كما ذكرنا فلو مات مسلم عن ابن كافر أو قاتل أو رقيق لم يقبل إقراره عليه بالنسب كما لا يقبل إقراره عليه بمال ولو كان له ابنان كافر ومسلم لم تعتبر موافقة الكافر ولو كان الميت كافرا كفى استلحاق الكافر ولا فرق في ثبوت النسب بين أن يكون المقر به مسلماً أو كافراً‏.‏

فرع مات وخلف ابنا فأقر بابن آخر ثبت نسبه ولو مات وخلف بنين أو بنين وبنات فلا بد من اتفاقهم جميعاً وتعتبر موافقة الزوج والزوجة على الصحيح وفي وجه لا تعتبر لانقطاع الزوجية بالموت ويجري الوجهان في المعتق ولو خلف بنتاً واحدة فإن كانت حائزة بأن كانت معتقة ثبت النسب بإقرارها وإن لم تكن حائزة ووافقها الإمام فوجهان يجريان فيما إذا مات من لا وارث له فألحق الإمام به مجهولاً أصحهما وبه قطع العراقيون الثبوت بموافقة الإمام هذا إذا ذكره الإمام لا على وجه الحكم أما إذا ذكره على وجه الحكم فإن قلنا يقضي بعلم نفسه ثبت النسب وإلا فلا ولا فرق بين أن تكون حيازة الملحق تركة الملحق به بغير واسطة أم بواسطة كمن أقر بعمومة مجهول وهو حائز لتركة أبيه الحائز تركة جده الملحق به فإن كان قد مات أبوه قبل جده والوارث ابن الابن فلا واسطة‏.‏

فرع وارثان بالغ وصغير فالصحيح أن البالغ لا ينفرد بالإقرار وفي وجه ينفرد ويحكم بثبوت النسب في الحال وعلى الصحيح ينتظر بلوغ الصغير فإن بلغ ووافق البالغ ثبت النسب حينئذ فإن مات قبل البلوغ نظر إن لم يخلف سوى المقر ثبت النسب حينئذ فإن لم يجدد إقراراً وإن خلف ورثة سواهم اعتبر موافقتهم ولو كان أحدهما مجنوناً فكالصبي ولو خلف بالغين عاقلين فأقر أحدهما وأنكر الآخر ثم مات ولم يخلف إلا أخاه المقر فوجهان أصحهما يثبت النسب لأن جميع الميراث صار له والثاني المنع لأن إقرار الفرع مسبوق بإنكار الأصل ويجري الخلاف فيما إذا خلف المنكر وارثاً فأقر ذلك الوارث ولو أقر أحدهما وسكت الآخر ثم مات الساكت وابنه مقر ثبت النسب قطعاً لأنه غير مسبوق بتكذيب الأصل‏.‏

فرع أقر الابن المستغرق بأخ مجهول فأنكر المجهول نسب المعروف لم يتأثر بإنكاره نسب المشهور على الصحيح وفي وجه يحتاج المقر إلى بينة على نسبه وهو ضعيف ويثبت نسب المجهول على الأصح ولو أقر بأخ مجهول ثم أقرا بثالث فأنكر الثالث نسب الثاني ففي سقوط نسب الثاني وجهان أصحهما السقوط لأنه يثبت نسب الثالث فاعتبرت موافقته في ثبوت نسب الثاني ولو أقر بأخوين مجهولين فصدق كل واحد منهما الآخر ثبت نسبهما وإن كذب كل واحد منهما الآخر ثبت النسبان على الأصح لوجود الإقرار من حائز التركة وإن صدق أحدهما الآخر وكذبه الآخر ثبت نسب المصدق فقط هذا إذا لم يكن المجهولان توأمين فإن كانا فلا أثر لتكذيب أحدهما الآخر فإذا أقر الوارث بنسب أحدهما ثبت نسبهما‏.‏

فرع أقر بنسب من يحجب المقر فرع في الميراث المقر به حالان‏.‏

الأولى أن لا يحجب المقرين فيشتركون على قدر حصصهم ولو أقر أحد الابنين المعترفين بأخ فأنكره الأخ الآخر فالصحيح المنصوص أنه لا يرث لأن الإرث فرع النسب ولم يثبت كما سبق وفي وجه يرث ويشارك المقر فيما في يده كما لو قال أحدهما فلانة بنت أبينا فأنكر الآخر حرم على المقر نكاحها وكما لو قال لعبد في التركة إنه ابن أبينا هل يحكم بعتقه وجهان وكما لو قال أحد الشريكين في العقار لثالث بعتك نصيبي فأنكر لا يثبت الشراء وفي ثبوت الشفعة للشريك خلاف وكما لو قال لزيد على عمرو كذا وأنا ضامنه فأنكر عمرو ففي مطالبة المقر بالضمان وجهان أصحهما المطالبة كما لو اعترف الزوج بالخلع وأنكرت المرأة ثبتت البينونة وإن لم يثبت المال الذي هو الأصل وإذا قلنا بالصحيح قبل في ظاهر الحكم وأما في الباطن فهل على المقر إذا كان صادقاً أن يشركه فيما يرثه وجهان أصحهما نعم لعلمه باستحقاقه وعلى هذا هل يشركه بنصف ما في يده أم بثلثه وجهان أصحهما الثاني‏.‏

الحال الثاني أن يحجبهم أو بعضهم بأن كان الوارث صغيراً في الظاهر أخاً أو معتقاً فأقر بابن للميت فإن لم يثبت نسبه فذاك وإن أثبتناه لم يرث على الأصح للدور والثاني يرث ويحجب المقر قاله ابن سريج واختاره صاحب التقريب وابن الصباغ وجماعة وقالوا المعتبر كونه وارثاً لولا إقراره ولو خلف بنتاً معتقة فأقرت بأخ لها فهل يرث ويكون الميراث بينهما أثلاثاً لكون توريثه لا يحجبها أم لا لأنه يمنعها عصوبة الولاء وجهان‏.‏

فرع ادعى مجهول على أخي الميت أنه ابن الميت فأنكر الأخ ونكل عن اليمين فحلف المدعي اليمين المردودة ثبت نسبهم ثم إن قلنا النكول مع يمين الرد كالبينة ورث وحجب الأخ وإن قلنا كالإقرار ففيه الخلاف السابق في إقرار الأخ ولو مات عن ابن وأخت فأقرا بابن للميت فعلى الأصح تسلم الأخت نصيبها لأنه لو ورثها الابن يحجبها وعلى الثاني يأخذ جميع ما في يدها وكذا الحكم فيما لو خلف زوجة وأخاً فأقرا بابن للميت يكون للزوجة الربع على الأصح وهذا الابن لا ينقص حقها كما لا يسقط الأخ‏.‏

فرع إقرار الورثة بزوج أو زوجة للميت مقبول على المذهب وحكي عن القديم قول أنه لا يقبل فإن قبلنا فأقر أحد الابنين المستغرقين فرع قال زيد أخي ثم فسر بأخوة الرضاع حكى الروياني عن أبيه أن الأشبه بالمذهب أنه لا يقبل لأنه خلاف الظاهر ولهذا لو فسر بأخوة الإسلام لم يقبل‏.‏

فرع في فتاوى القفال أنه لو أقر على أبيه بالولاء فقال هو معتق فلان ثبت الولاء عليه إن كان المقر مستغرقاً كما في النسب‏.‏

قلت لو خلف ثلاثة بنين فأقر ابنان برابع وأنكره الثالث لم يثبت نسبه بإقرارهما لكن إذا شهدا به عند الحاكم بشروط الشهادة ثبت نسبه لأن شهادتهما أولى بالقبول من شهادة الأجنبيين لأن عليهما فيه ضررا قاله القاضي أبو الطيب والله أعلم‏.‏